كتب شريف العصفوري :
تم تهجير سكان بورسعيد في إبريل 1969 بالكامل ، و طبقا للحاجات الإدارية و للمجهود الحربي تم إستبقاء بعض الموظفين لإدارة شئون المحافظة ، و القليل من العاملين بالتوكيلات الملاحية و البنوك ، و بعض أصحاف الحرف و المهن المطلوبة .
كان شاطئ البحر حتى شارع 23 يوليو منطقة عسكرية ، مغلقة على الوحدات العسكرية المعسكرة بها ، و يسد الشوارع من ممشى ديلسبس حتى الإستاد متاريس و أسلاك شائكة ، كانت كل المدارس معسكرات للجيش . و كان الميناء مغلقا على البحرية.
و لكن ذكرياتي هي من منطقة التعمير (1) من امام مستشفى الحميات .. حيث كان عملي بمحافظة بورسعيد صباحا و كانت بعض من أقسام و إدارات المحافظة موزعة على عدة جهات (حتى لا تتعطل عند قصف مبنى المحافظة) و كان مكتبي بالشئون القانونية و شئون العاملين في الأدوار الأرضية من مدرسة بورسعيد الثانوية بنين.
كانت النخيل تنبت في كل الأماكن حتى في منتصف الأرصفة و في وسط الشوارع المهجورة ، و علت و توحشت نباتات الحشيشة الخضراء في الحدائق حتى أن الطريقة الوحيدة لجعلها في الحدود الملائمة كان بالحرق بالجاز و كان لتر الجاز ب 15 قرش .
كانت لي دراجة نصر 26 إسبور . أذهب بها من البيت على العمل بالعكس .. و كنت قد غشتريت الدراجة بالتقسيط من شركة المحاريث و الهندسة ب12 مقدم و 1.5 قسط شهري لمدة سنة . كان مرتبي بليسانس الحقوق 27 جنيه يضاف إلى بدلات الإستبقاء و مخاطر و كان مرتبي رقما مذهلا بمعايير ذلك الزمان 65 جنيه شهريا .
تعلمت طبيخ الأرز .. و كان أغلب وجبات الغداء من السمك المشوي و الأرز إلا إذا وجدت وقتا كافيا لعمل الصيادية أو قلي الشبار الجوابي بالتقلية .
في المساء أقضى الليل و ساعات الصباح الأولى مع زملائي و جيراني ممن هم في سني على بورصة احمد عبد اللع في شارع الثلاثيني.. و في يوم الجمعة أقود الدراجة لشراء البقالة من محل العادلي بأول الحميدي ، و و لوعندي أصحابي بالشقة أكمل المشوار لآخر الحميدي لأشتري فول و طعمية طازجة من محل المصري .
في المساء .. قبل منتصف الليل أذهب لمحل شاهين لشراء فطيرة بالسكر و المهلبية للعشاء .. و الزبادي في السلطانية من اللبان بشارع نبيه . كان كيلو السمك الدنيس ب 30 قرش الكيلو و البوري بربع جنيه و الشبار 15-10 قرش للكيلو . أما الخلول فكنت أصنع مصيدة من علب صفائح الجبنة بتخريم قاعدتها و أجرف قاع البحر أمام الإستاد فأصطاد 2-3 كيلو في ساعة زمن . أتركها في حلة الماء لتخرج رملها ثم أغليها بالثوم و البصل و الكمون للتسالي بعد صلاة الجمعة .
كانت النوبطجيات مرتين في الإسبوع .. للبقاء متأخرًا في العمل و أخذ 15 يوم أجازة لكل 15 يوم عمل . فشلت لي خطبتان .. و في الآخير تقابلت مع بنت الحلال .. التي كان مهرها 300 جنيه ، و الشبكة ب500 جنيه .. و كان مطلوب خلو رجل لشقة بالقاهرة 1000 جنيه ، تقدمت لإسكان المحافظة و إسكان المهجرين .. و كانت ال15 يوما من الإستبقاء جحيما من ناحية "الحب" لأنني لم أملك تليفونا و كانت وسيلة الإتصال الوحيدة بخطيبتي هي الذهاب بشحمي و بلحمي في الأجازة محملا بعلبة حلويات من إستراحة أتوبيس شرق الدلتا بدمياط ، من المشبك و الهريسة و البسبوسة و أحيانا من البقلاوة .
تزوجت و إستدنت لإقامة الفرح و تجهيز شقة الزوجية و قضيت أول أربع سنوات من حياتي أدفع دين الزواج و أحارب نكد العروسة ... التي لم أعرف أنها بهذا النكد إلا بعد شهر العسل !! .
شريف العصفوري
يونيو 2014م.
** الصور المنشورة من هجرة عام 1956
التعليقات
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1
1